جاد يتيم
الجمعة 4 سبتمبر 202005:16 م
وقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في الذكرى المئوية لإعلان دولة لبنان الكبير، وكأنه يتحدث إلى مواطنيه لا إلى مواطني بلد آخر.
للمرة الأولى منذ بدء الانهيار الاقتصادي العام الماضي، كل الكوارث اللاحقة ونهاية بجريمة تفجير مرفأ بيروت، يستمع اللبنانيون إلى خارطة طريق للخروج من النفق، أو محاولة جدية تستند إلى لغة ومفردات تمس وجعهم ويفهمونها.
استمع اللبنانيون بتعطش إلى كلام واضح ومسؤول لم يقله لهم أي من ممثليهم المنتخبين، مباشرة أو وكالة، في كل التصريحات الرسمية، وتصرفوا مع ماكرون على أنه الحاكم الفعلي للبلاد: سألوه عن التفاصيل وأجابهم بدقة.
إنه عصر الإدارة الدولية للبنان، تفتتحه فرنسا مستندة إلى غض نظر أميركي، والإنهاك الذي أصاب قوى الإقليم الفاعلة والمتقاتلة فيما بينها، مع استثناء تركي وإماراتي، ومن خلال حروب الوكالة proxy wars، في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
لا يعني ذلك بالضرورة أن الإدارة الدولية الوليدة هي إدارة مثالية، تلتقي مع مطالب اللبنانيين التي عبروا عنها في انتفاضات متعددة منذ العام 2005، وآخرها ثورة 17 تشرين 2019، حيث المطالبة كانت برحيل جميع من في السلطة، لكنها بالتأكيد تعبير صارخ على إفلاس كامل لتحالف حرّاس الهيكل الطائفي
لا يعني ذلك بالضرورة أن الإدارة الدولية الوليدة هي إدارة مثالية، تلتقي مع مطالب اللبنانيين التي عبروا عنها في انتفاضات متعددة منذ العام 2005، وآخرها ثورة 17 تشرين 2019، حيث المطالبة كانت برحيل جميع من في السلطة، لكنها بالتأكيد تعبير صارخ على إفلاس كامل لتحالف حرّاس الهيكل الطائفي – سواء داخل الحكم أم خارجه – في لبنان، كما أنه مؤشر لفشل قوى ثورة 17 تشرين في إدارة المرحلة، وتشكيل ندّ جدي لمواجهة النظام الأقوى من الدولة نفسها، مع الاعتراف بصعوبة المهمة.
إلى ذلك، إن عودة فرنسا من هذا الباب العريض وإن كان وصاية تلقى – على عكس الاحتلال الأسدي- قبولاً لبنانياً، فهي تؤشر إلى أن نموذج لبنان 1920 قد فشل، وإلا لما كانت فرنسا بحاجة للتدخل بهذا الشكل لمنع انهياره الكامل وتحوله إلى دولة أكثر من فاشلة، دولة مُتعِبة في حيزها الجغرافي – النفطي.
صار لبنان بفساده وإفلاسه وثرواته أهم من الإدارة المحلية التي باتت بنظر المجتمع الدولي غير مؤهلة لإدارة بلد مرشح ليكون في صلب الفورة، كما المواجهة النفطية الأوروبية – التركية شرق المتوسط، ولم يعد ممكناً ترك البلد لحكامها المحليين.
تلاقت المصالح الدولية بحاجة داخلية ملحة انفجرت بوجه كل الأنظمة السياسية والاقتصادية والمصرفية السائدة في لبنان، والتي كانت في الوقت عينه تنهار كنموذج صالح على الأقل لتسيير أمور البلاد، بعدما فقد اللبنانيون الأمل بتحديثها، نحو دولة مدنية منتجة اقتصادياً تتمتع بنظام قضائي حازم ونزيه ومستقل، وانتخابات حرة من الرشوة والسلاح تنتج برلماناً يكون بيتاً للناس فلا يتم قنصهم على أبوابه.
إن عودة فرنسا من هذا الباب العريض وإن كان وصاية تلقى – على عكس الاحتلال الأسدي- قبولاً لبنانياً، فهي تؤشر إلى أن نموذج لبنان 1920 قد فشل، وإلا لما كانت فرنسا بحاجة للتدخل بهذا الشكل لمنع انهياره الكامل وتحوله إلى دولة أكثر من فاشلة في ظل انسداد الأفق من تغيير داخلي حالي، لا يمكن إلا الترحيب بالإدارة الدولية للبنان: إذا لم يكن ممكناً تغيير حراس الهيكل الطائفي، فأهلاً بإدارة دولية تفرض عليهم أجندة إصلاحية وتحديثية، تتلاقى في كثير من عناوينها مع مطالب ثورة 17 تشرين في هذا المجال